طريقة التعامل الجافة أوالصارمة- أحياناً- من بعض المعلمين والإداريين في المدارس تنعكس على نفسية التلاميذ الجدد سلباً، وتجعلهم ينطبعون مسبقاً بانطباع سيئ تجاه المدرسة والدراسة والمدرسين.
.
- يجب على وليّ الأمر أن يصطحب طفله أثناء تقديم ملفه إلى المدرسة، وعلى إدارة المدرسة أن تهيئ الجو المناسب لاستقبال الأطفال.
مع بداية كل عام دراسي جديد تستقبل المدارس بمختلف مراحلها التعليمية آلاف التلاميذ، ومنهم من يذهب إليها للمرة الأولى، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته، هذه المرحلة تتسم بمراسم خاصة؛ إذ يستيقظ الطفل في الصباح الباكر ليخرج من بيته مفارقاً أمه وألعابه وإخوته وأخواته، ليلتقي بوجوه جديدة غير مألوفة من معلمين ووزملاء ومكان جديد بأنظمته وتعليماته المقيدة للحرية أحياناً..
إنها تجربة جديدة يخوضها الطفل وحده بعد أن اعتاد أن تكون أمه إلى جانبه وقريبة منه.
إنها تجربة جديدة قد تعني الخوف والقلق من المجهول الجديد، وليس ذلك بالأمر السهل على أطفال صغار، وكذلك على الأمهات والآباء الذين يعتريهم القلق خوفاً عليهم، فيزداد خوفهم إذا شعروا أن طفلهم يرفض الذهاب إلى المدرسة.
تقول د. ابتسام عطية - أستاذ ورئيس قسم التربية النفسية بكلية البنات جامعة الأزهر-: إن الخوف يرجع إلى الصورة الذهنية السلبية التي تتكون عند الطفل منذ صغره عن المدرس أو المدرسة؛ إذ يُقدّمان له -عن طريق الأبوين أو الأقارب أو وسائل الإعلام- على أنهما سلطة لها صلاحيات التحكم وضبط السلوكيات المعوجة، كما أن دخول المدرسة يتواكب مع قهر آخر تمارسه الأسرة في البيت لضبط مواعيد المذاكرة والاستيقاظ والنوم، و كل هذا يساهم في تكوين صورة سلبية عن المدرسة يصعب تصحيحها فيما بعد.
ويقول أسامة أبو المكارم - مرشد طلابي- بإحدى المدارس الابتدائية بالرياض:
هناك ما يُسمى في عرف المربين والممارسين النفسيين ب (صدمة بداية الدراسة)، تلك الصدمة التي تشعر الطفل الصغير الذي يدخل المدرسة للمرة الأولى بالخوف بل بالرعب والفزع- أحياناً- وذلك له أسباب عدة من أهمها:
1- ترك الطفل لحضن أمه وبُعده عن عطف أبيه للمرة الأولى في حياته؛ إذ إنه خلال ست سنوات كان محل الرعاية والعناية والاهتمام والحب والعطف من الجميع، خصوصاً إذا كان هو الطفل الأصغر، أو ربما كان وحيد أبويه.
2- دخول الطفل عالماً جديداً وغريباً عليه، يرى فيه وجوهاً جديدة من معلميه وزملائه لم يتمرن من قبل على كيفية التعامل نفسياً وذهنياً واجتماعياً معهم، ولم يتعود على التعامل مع هذه الأعداد الكبيرة من البشر؛ إذ إن حياته من قبل كانت تقتصر على أمه وأبيه وإخوته وربما بعض الأقارب مقارنة بما يراه الآن في العالم الجديد.
3- غرابة المكان والغرف والمقاعد والأدوات وعدم ألفته لتلك الأشياء من قبل.
4- النظام والضبط والربط الذي يعتري بعض مؤسساتنا التعليمية منذ اليوم الأول من الدراسة حتى على طلاب الصف الأول.
5- طريقة التعامل الجافة أو الصارمة- أحياناً- من بعض المعلمين والإداريين في المدارس التي تنعكس على نفسية التلاميذ الجدد سلباً وتجعلهم ينطبعون مسبقاً بانطباع سيئ وغير إيجابي تجاه المدرسة والدراسة والمعلمين.
6- التعامل الفوري مع هؤلاء الأطفال كأنهم طلاب علم، وحشو عقولهم وأدمغتهم بمعلومات علمية ودراسية، وتلقينهم المحفوظات بطريقة عقيمة لا تشجع على حب العلم والتعلم.
ويضيف روحي عبدات – اختصاصي نفسي تربوي-: من العوامل التي تساهم في نشأة مشاعر الصدمة والخوف عند الطفل هو الحماية الزائدة والتدليل اللذين تلقاهما طيلة السنوات السابقة، وقلق الأم عليه وشدة تعلقها به؛ إذ إن التعلق الشديد بالوالدين بصفة عامة وبالأم بصفة خاصة وشدة الارتباط بها وقلق الانفصال عنها يمثل أحد العوامل المساهمة في إحداث المخاوف من المدرسة, فالطفل قد يتصور أن هناك أحداثاً خطيرة قد تحدث لأحد والديه مثل الموت أو الانفصال بينهما خلال فترة وجودة خارج المنزل, فينتابه القلق والخوف من أن يعود إلى المنزل فلا يجد أحدهما.
سبل العلاج:
يقول عبد المنعم أبو الفتوح – مدرس – :علاجاً لهذه المشكلة يجب أن يصطحب ولي الامر طفله أثناء تقديم ملفه إلى المدرسة، وعلى إدارة المدرسة أن تهيئ الجو المناسب لاستقبال الأطفال في أول زيارة لهم للمدرسة باصطحابهم في جولة داخل أروقة المدرسة، والتعرف على مرافقها وما فيها من ألعاب ووسائل ترفيه، كذلك يجب أن يكون القائم باستقبال الأطفال وتسجيلهم بالمدرسة من المعلمين والمربين ذوي الكفاءة ليحسنوا استقبال هؤلاء الأطفال، ويفضل أن يكونوا من معلمي الصف الأول الذين سيتولون تدريس هؤلاء الأطفال في المدرسة.
ويضيف روحي عبدات : تقديم بعض الإرشادات للوالدين والمعلمين من أجل التغلب على خوف الأطفال الجدد من المدرسة، ويقول:
- ينبغي على الآباء والمربين تحسين المناخ الأسري والمدرسي وذلك بجعله مناخاً يتسم بالأمن والطمأنينة، مما يشجع الطفل على الذهاب إلى المدرسة، فالطفل الذي يعيش وسط الخلافات الوالدية والشجار المستمر في مرحلة الطفولة المبكرة يعاني من انخفاض في مستوى ودرجة الأمن، والتحمل للمتغيرات البيئية وتقبلها، وكذلك انخفاض مستوى الثقة بالنفس وبالآخرين وبالتالي الخوف.
- اتباع الأساليب السوية في الرعاية والمعاملة، وتجنب الأساليب غير التربوية التي تنمي لدى الطفل المخاوف بصفة عامة والخوف من المدرسة بصفة خاصة.
- إلحاق الأطفال بدور الحضانة قبل التحاقهم بالمدرسة الابتدائية لكي تنكسر حدة الخوف والرهبة من المدرسة، ويعتادوا على الجو المدرسي.
- التركيزعلى تأقلم الطفل مع جو المدرسة كهدف رئيس في البداية بدلاً من التركيز على الواجبات المدرسية التي ترهق الطفل وتزيد من توتره وقلقه.
-استخدام أسلوب التعلم عن طريق اللعب والتعليم الوجداني الملطف كوسيلة تربوية لإيصال المعلومة، وإشعار الطفل بأنه في بيئة حرة إلى حد ما ولا تختلف عن جو البيت، وعدم الجفاف في التعامل واستخدام العقاب.
- إتاحة المجال للطفل للاحتكاك مع نماذج من الأطفال الناجحين الذين يكبرونه للاستفادة من تجاربهم، وأخذ الانطباعات السليمة عن المدرسة.
ويرى أسامة أبو المكارم أن علاج هذه المشكلة والوقاية منها ليس معقداً أو مستحيلاً، إنما بقليل من الصبر والعلم والحكمة في التعامل مع هذه الظاهرة نستطيع أن نجعل تلك الفترة تمر بسلام، بل يمكن استثمارها لصالح التلميذ إذا ما أُحسن التعامل معها بشيء من الاهتمام والصبر.
ويضيف أن لكل من المدرسة والبيت دوره في علاج هذه المشكلة والوقاية منها، ويجب أن يقوم كل طرف بدوره كما ينبغي؛ فللمدرسة دور كبير في امتصاص الصدمة التي أسميناها (صدمة بداية الدراسة) ويفصل في ذلك بقوله:
دور المدرسة:
من الأمور التي تستطيع المدرسة من خلالها علاج هذه المشكلة أو التخفيف منها ما يلي:
1- التأهيل العلمي والتربوي للقائمين على العملية التعليمية في المدرسة خصوصاً معلمي الصف الأول الابتدائي، الذين ينبغي أن يكونوا ذوي كفاءة وتأهيل وخبرة علمية وتربوية عالية، ويجب التركيز في تأهيلهم على معرفة خصائص المرحلة العمرية التي سيتعاملون معها، إلى جانب طرق التعامل مع هذه السن.
2- ضرورة الإعداد الجيد الذي يسبق بداية الدراسة بوقت كافٍ للأسبوع التمهيدي الذي يُفتتح به العام الدراسي لهؤلاء التلاميذ الجدد، و يجب التجديد والابتكار والإبداع، وأن يغلب على فعاليات هذا الأسبوع روح اللعب والمرح والفكاهة والترفيه؛ إذ إن ذلك كله مما يجعل الأطفال الصغار يأنسون ويألفون جو المدرسة وتبتهج نفوسهم بما يرونه من حنان ورعاية واهتمام ومرح؛ فيقبلون بحب ورغبة وأمان على الفعاليات الدراسية التقليدية في الأسابيع التالية.
3- ينبغي أن تكون للصف الأول الابتدائي خصوصية في كل ما يتعلق بالعملية التعليمية والتربوية، فمن الضروري أن تكون الفصول مختلفة عن باقي الصفوف، والمقاعد مناسبة لهذه السن الصغيرة من حيث المقاس والشكل، والجدران متميزة بألوانها المفرحة الجذابة، وكذلك اللوحات والوسائل، ووسائل الترفيه واللعب لابد أن تُخصص فقط لهؤلاء التلاميذ دون أن يشاركهم فيها أحد.
4- مخاطبة أولياء الأمور منذ اليوم الأول من الدراسة، بل قبل بداية العام إن تيسر ذلك مخاطبة تربوية علمية حكيمة قائمة على التعاون والتكامل، وتقديم كل المعلومات اللازمة لولي الأمر كي يتمكن من متابعة الطفل في الأيام الأولى من حياته المدرسية، كل ذلك من خلال النشرات والصور والنصائح والاستبانات البسيطة التي تجعل ولي الأمر ينتبه إلى أهمية مشاركته في حل المشكلات التي قد تصيب ابنه أو ابنته.
5- الاهتمام الفوري بأي مشكلة نفسية أو اجتماعية أو ذهنية يتم اكتشافها خلال الأيام الأولى من العام الدراسي، وتدوين كل الملاحظات الجديرة بالاهتمام عن كل طفل على حدة، وذلك يفيد كثيراً في حصر تلك المشكلات والتعامل معها في حينها قبل أن تتفاقم، واستخدام الأساليب التربوية والاجتماعية العلمية في حلها من خلال المختصين سواء المرشد الطلابي أو الاختصاصي النفسي ومعلم الصف.
دور البيت والأسرة:
وأما عن دور البيت فيقول: إذا كانت المدرسة يقع على عاتقها العبء الأكبر في الوقاية من هذه المشكلة وحلها إن وجدت؛ فإن دور البيت لا يقل أهمية عن دور المدرسة، بل هو الوجه الآخر للعملة الواحدة، وهو المكمل والمعين للمدرسة في أداء دورها التربوي، ونستطيع أن نجمل بعض الأمور التي يمكن للبيت أن يقدمها للطفل من أجل حمايته من الخوف وإشعاره بالأمان والتكيف مع المجتمع الجديد في الآتي:
1- تدريب الطفل في سني حياته الأولى -خصوصاً الفترة التي تسبق المدرسة- على التعامل مع الآخرين سواء من الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران بما يتيح له قدراً مناسباً من التكيف مع الآخرين من غير أفراد أسرته.
2- الحديث مع الطفل كثيراً عن المدرسة وأهميتها وأهمية العلم والمعرفة، وتحفيزه- على قدر فهمه- على التعلم والتميز، وترسيخ فكرة المستقبل لديه (نفسك تطلع إيه؟)، فذلك كله يجعل فكرة المدرسة والدراسة محببة إلى قلبه، وبالتالي فإنه لن يستغرب أو يستنكر دخوله المدرسة حينما يأتي الأوان.
3- من الضروري أن تكون لدى الوالدين بعض الكتب أو الكتيبات أو النشرات التربوية التي تُعنى بخصائص مرحلة الطفولة وكيفية التعامل مع الأبناء في تلك المرحلة، وطرق حل المشكلات الشائعة فيها، وأن يسألوا أهل الاختصاص عن كل شيء يتعلق بالتعامل مع الأبناء في تلك السن، خصوصاً ما يتعلق بمرحلة دخول المدرسة حتى يستطيعوا فهم طبيعة المرحلة والتعامل معها وفق طريقة تربوية علمية منهجية صحيحة.
4- تعاون الأب والأم وتكامل أدوارهما في هذا المجال مهم جداً، فلا تستطيع الأم وحدها مهما أُوتيت من علم أو قدرة تربوية أن توفر كل أسباب الأمان التربوي والنفسي والاجتماعي للطفل، فالأب له هيبة وخبرة وحكمة يمكن أن تفيد كثيراً في حل المشكلات التي تعترض الأبناء والبنات على السواء، والذي لا تستطيع الأم فعله يمكن للأب أن يؤديه بسهولة واقتدار، والعكس صحيح فما لا يقدر عليه الأب يمكن للأم أن تقوم به بما أُوتيت من ملكات ومواهب فطرية لا توجد لدى الأب، وانعدام دور من هذه الأدوار للأب أو الأم يؤدي إلى خلل نفسي وتربوي نشهده مراراً وتكراراً في مسيرتنا التربوية.
5- وقدرة الأسرة على أن تلحق الطفل بإحدى دور الحضانة أو الفصول التمهيدية المنتشرة أمر يساعد كثيراً على الوقاية من مشكلة الخوف من المدرسة.
إشراقة أخيرة:
وأخيراً مع إشراقة شمس عام دراسي جديد؛ يتجدد العزم على المضي في طريق النور والأمل، طريق العلم والمعرفة، يجب أن نعمل جميعاً معلمين ومربين وآباء وأمهات على قدر مشترك من المسؤولية تجاه هذا الجيل من أبنائنا وفلذات أكبادنا، وهذه المسؤولية تتأكد ويعظم قدرها حين يضع الولد قدمه على درب العلم والدراسة حيث نخرج به من إطار التربية داخل المنزل إلى عالم جديد هو عالم المدرسة. ذلك العالم الذي يرى فيه الطفل مجتمعاً جديداً أوسع من مجتمع البيت والأسرة، ويتعرض إلى احتكاك من نوع آخر غير الذي تعوّد عليه، لذلك ينبغي أن نستشعر هذه المسؤولية التربوية ونهيئ أطفالنا لها، حتى نبني جيلاً راشداً سليم العقيدة قوي الإيمان شامخ البنيان معتزاً بدينه كي تسعد به الأمة، ويصل بها إلى مراقي المجد والرفعة والسيادة.